ظاهرة إهمال تربية الأولاد في الصغر
ظاهرة إهمال تربية الأولاد في الصغر التي يعاني منها المجتمع نتيجة فقدان دور الأسرة التربوي ،نحزن ونتألم عندما نجد شبابنا وطلاب المدارس يتسكعون في الشوارع بدون هدف خلال الإجازات المدرسية ، أو يقودون سياراتهم بسرعة جنونية وتهور ، مما قد يودي بحياتهم وحياة غيرهم ؛ بسبب الطيش واللا مبالاة ، وغياب التوجيه السليم والتربية الحكيمة من الأسرة ، وغياب الرقابة من الآباء الذين أصبح دورهم في الغالب توفير الطعام ، الملبس ، مصروف “الجيب” والسيارة ، ويظن بهذا أنه قام بكل ما هو مطلوب منه كأب ، ناسياً دوره التربوي في توجيه أبنائه ، وتهذيب أخلاقهم ، ومراقبتهم للتدخل في الوقت المناسب ، لإصلاح اعوجاجهم ، وتدارك هفواتهم ، وتقويم سلوكهم ، ليكونوا أعضاء صالحين في المجتمع ، ويكونون في المستقبل أبناء صالحين بارين بوالديهم ، ومن المحزن عندما نجد أن بعض شباب هذه الأيام ليس له هدف في هذه الحياة غير متابعة الأفلام ، وأخبار الفنانات والممارسات الخاطئة عبر شبكة الانترنت ، فالشباب هم عماد المجتمع والوطن ومستقبله ، فإذا كانت أهدافهم لا تسمو إلى العلى ، فإنهم لن يبنوا مجتمعا ، ولن يرتقوا بمجتمعاتهم.
إن وراء أي خلل يحدث لسلوك الأبناء أسرة غير مدركة لدورها التربوي الذي يحمي الأبناء من المخاطر التي تحيط بهم من كل جانب ، فالأبناء قي الوقت الحاضر تحيط بهم مؤثرات كثيرة ، قد تؤدي إلى الانحراف ، إذا لم يحسن الآباء مراقبة أبنائهم ، وتحصينهم ضد هذه المؤثرات ، وخاصة أصدقاء السوء ، وأن الأبناء في مرحلة المراهقة يحتاجون إلى التوجيه والمساعدة والرقابة ، وأن نغرس فيهم الخلق الحميد ، والسلوك السليم ، والخوف من الله ، وألا تكون مشاغل الآباء وتجارتهم أهم من أبنائهم الذين هم رجال المستقبل ، وألا يعطي الآباء أبناءهم الثقة المفرطة ، خاصة في مراحل المراهقة ؛ لأن الأبناء في هذه المرحلة يفتقرون للتجربة والمعرفة الحياتية ، ونحن في المجال التربوي نعرف مستوى تربية الآباء لأبنائهم من خلال سلوكهم في المدرسة ، إذ تجد بعض الأبناء نموذجا في سلوكهم ودراستهم ، فتعرف من خلال ذلك أن هؤلاء الأبناء وراءهم أسر حريصة على التربية ، أما الأبناء الذين يفتقدون لمتابعة الآباء فتجدهم كثيري الغياب ، والهروب من المدرسة ، والتأخر عن المدرسة ، والسلوك السئ ، فالأبناء في المدارس هم سفراء لأسرهم ، وغالباً ما ينتج عن هذا الإهمال أبناء فاسدون أخلاقياً وسلوكياً ، وسبب لمعاناة الآباء والأمهات ، وكان يمكن تجنب هذا الفساد لو أحسن الآباء تربية أبنائهم في الصغر.
• عدم رعاية الأبناء في الصغر يجعلهم عرضة للانحراف والفساد الأخلاقي والفكري ، وسيدفع المجتمع ضريبة هذا الإهمال من الآباء ، عندما يتحول هؤلاء إلى عنصر هدم في المجتمع ، وصيد سهل لعصابات الإجرام ، ويجدون في هؤلاء الأبناء الذين يفتقدون النصح والتحصين صيداً سهلاً ، لتحقيق ما يخطط له أولئك المفسدون في الأرض سواء كانوا من تجار المخدرات ومروجيها ، أو غيرهم ، والأمثلة التي تؤكد ذلك كثيرة فمعظم الذين سقطوا في غياهب الفساد ، وأدمنوا على المخدرات ، والرذيلة من الشباب ، وصغار السن لم ينحرفوا إلا لأنهم لم يجدوا المتابعة السليمة ، والتربية الواعية من الآباء ، ووجود الرفقة السيئة ؛ وذلك بسبب إهمال آبائهم ، كما أن الكثير من الذين تبناهم دعاة الفكر المنحرف من صغار السن والمراهقين ، هم في الواقع أبناء افتقدوا للتربية السليمة والتحصين الواعي من الآباء الذين يدلونهم على الخطأ والصواب ، ويوضحون لهم الغث من السمين ، ويحصونهم من الانجراف الى مزالق الخطر.
“التربية السليمة والصحيحة تتطلب أن يمسك الأب العصى من المنتصف فلا إفراط ولا تفريط”
إن الكثير من الآباء يتعامل مع أبنائه بأسلوب تربوي خاطئ ، فتجده إما مفرطاً في تدليلهم ، أو مبالغاً في القسوة عليهم والتقتير عليهم ، وكلا الأسلوبين في التعامل مع الأبناء غير سليم ، لأن التربية السليمة والصحيحة تتطلب أن يمسك الأب العصى من المنتصف فلا إفراط ولا تفريط ، وأن يكون حكيماً في توجيهه وتوعيته لأبنائه ، وأن يكون صديقاً لهم في بعض المواقف حتى يفتحون له قلوبهم ، ويعرف مشاكلهم واحتياجاتهم ، وألا يكون بعيداً عنهم حتى لا يتركهم صيداً سهلاً لأصدقاء وصديقات السوء وما أكثرهم في هذا الزمن ، وعلى الآباء أن يهتموا ببناء الثقة فيما بينهم وبين أبنائهم ، وأن يربوهم على الأخلاق الحميدة منذ الصغر ، وأن يقوموا أي سلوك غير مقبول مباشرة بالتوجيه الواعي والنصح المتعقل المقنع.
ومن أبرز سلبيات العصر الحالي ، وأن هناك عوامل اجتماعية أثرت على التربية ، ومنها إن آباء وأمهات اليوم في الغالب لا يحسنون تربية أبنائهم ، بعد أن شغلتهم هموم الحياة ومشاغلها الدنيوية ، وأهملوا العناية بالأبناء وتربيتهم ولهذا نجد الكثير من أبناء اليوم بلا عاطفة تجاه والديه ، وهذه التربية هي السبب في انحراف الأبناء وفسادهم ، وظهور الكثير من حالات العقوق التي نسمع عنها اليوم ، التي تقشعر لها الأبدان ، وهي أمور لم يكن لها وجود في مجتمعنا ، ولكنها الطفرة التي أفسدت حياتنا وأخلاقنا وعلاقاتنا الإنسانية حتى علاقة الآباء بالأبناء وعلاقة الأبناء بالآباء.