الحرب في اليمن .. هل زادت من معاناة مريض السرطان
ما إن تلقي الحرب بضلالها على مكان ما إلا وانتزعت قيم الانسانية والرحمة وأصبحت كالهوجاء العمياء التي لا تبقي ولا تذر غير مفرقة في ذلك بين الصحيح والمريض والكبير والصغير ، وتعد فئة مرضى السرطان من الفئات الأكثر معانة في اليمن بسبب الظروف الاقتصادية الهشة وغيرها من العوامل التي جعلت مرضى السرطان يطلقون نداءات الاستغاثة أثناء الوضع المستقر في اليمن .
الآن وقد صار الوضع الأشد تعقيدا اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وأمنياً هل من آثار مترتبة فاقمت من معاناة مريض السرطان في اليمن ؟؟
مرضى تتفاقم معاناتهم
أقبلت تحمله بين يديها ووهج السعادة يملأ عينيها ،، تقدمت بخطاها نحو إدارة سكن دار الحياة لمريضات السرطان واستقبلها الجميع ومشاعر الدهشة والسعادة تعلو محياهم ، سماح - مريضة السرطان - في متوسط عمرها ووهج شبابها التي لم يترك المرض مكاناً في جسدها إلا وانتشر فيه ، كانت تحمل في أحشاءها أنفاس طفل بإرادة لم تزعزعها تقارير الأطباء بأن جسمها لم يعد يحتمل ذلك ، قضت فترة الحمل وجاءت ساعات المخاض وانجبت طفلها وعادت للحياة مجددا لا تفارق الابتسامة محياها ،، لكنها تحدثت بألم مع إدارة الدار وامتلأت عيناها بالدموع وهي تقول : لم تكن الصعوبة في أن أتحمل هذا الابتلاء الذي يسري في جسدي ولم تكن الخطورة في حملي وولادتي فقد تجاوزت كل ذلك والحمد لله ، كانت الصعوبة البالغة في أن أبني الأكبر (18 عاماً ) قد أصيب في الحرب الدائرة في اليمن الآن وفي نفس اللحظات التي كنت أثنائها في غرفة الولادة حين كان في طريقه إلي وهو الآن يعاني من المرض الجسدي والرعب النفسي .. وهاهي المعانة تكبر وتتفاقم لتصل آثار الحرب وتغرس وجعها على هذه الفئة من المجتمع التي تزداد معاناتها مع زيادة حدة الحرب وارتفاع وتيرته .
دوت أولى انفجارات الحرب في اليمن ونقل المرقدين في دار الحياة إلى مكان آمن فالدار في مكان قريب من مواقع ومصالح ربما تتعرض للقصف ، خرج المرضى من دار الحياة ومع خروجهم ارتفعت شهقات البكاء وعلت أصوات النحيب فلقد كان الدار بالنسبة لهم المكان الذي يشعرون فيه بالأمان من سطوة السرطان و قسوته ، طالت أيام الحرب واشتاق المرضى لدراهم واحتاجوا لخدماته حتى أصرت إحدى المريضات أن تنام على أبواب الدار المغلق.
" افتحوا لنا بيتنا ، لا يهمنا إن متنا في الدار ، لم يعد الموت يخيفنا كما يخيفكم " هكذا قالت مريضة أخرى "
وبالفعل فُتح الدار –رغم المخاطر –وما هو إلا يوم و بعض يوم حتى اكتظ المكان وعاد يملؤه أنين المرضى ، أنين أجمل من الفراغ .
في مركز الأمل لعلاج الأورام في تعز يسمع المرضى دوي الرصاص يقترب ، ظنوا أنهم في مأمن فلا أحد يضمر الشر لمريض أنهكه السرطان ، لكن الحرب عمياء لا ترى ، يخترق الرصاص جدران مركز الأمل ويعم الذعر المكان ويرتفع الصراخ ، فيأخذ أحد المرافقين زوجته الشابة المصابة بالسرطان منذ سنوات على ظهره ويهرع خارج المكان ، يصادف مروره سيارة هاربة يرأف السائق لحال المسكينة وزوجها فيقف لهما على عجل ، في السيارة ينظر الزوج لزوجته ولا يجد ما يواسيها به إلا قوله " الحمد لله يا حبيبتي لقد نجونا وخرجنا أحياء " فتجيبه " كنت أتمنى أن لا أخرج وأعود لأولادي من مركز الأمل إلا وقد تعافيت أو مُت "
طموح يتلاشى و استغاثات تتعالى
عبدالمنعم عبد القوي الشميري - مدير إدارة الإعلام بالمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان يقول : منذ تأسيس المؤسسة في العام 2003م ونحن نقول أن المتوفر من احتياجات مرضى السرطان لا يصل حتى للحد الأدنى فالمريض يواجه صعوبات في ندرة المراكز وارتفاع تكاليف الخدمات و الدواء ، ومع هذا كان افتتاح المركز الوطني لعلاج الاورام وافتتاح فروع المؤسسة و مراكز ووحدات الأمل التابعة لها في ( صنعاء – عدن – تعز – إب – الحديدة ) عوامل مهمة في تحسن أوضاع مرضى السرطان خلال العشر السنوات الماضية مما جعل الأمور تسير نحو التطور الإيجابي ولو بشكل طفيف ، وكنا نسعى أن يكون كل عام أفضل من سابقيه ، و لكن بدأ العد العكسي من منتصف العام 2014 تقريباً ، وبحلول العام 2015م تعثرت الكثير من المشاريع وتراجعت الخدمات المقدمة للمرضى ، بل تراجعت حتى طموحاتنا وأحلامنا بغد أفضل لمرضى السرطان ، وعندما تعقدت الأوضاع أكثر وصارت كما نراها اليوم بتنا خائفين من أن تنتهي كل تلك الامال التي بينت منذ أكثر من ثلاثة عشر سنة ، ويعود مريض السرطان إلى ما قبل تاسيس المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان .
- ولكي نتجب الأسوأ :
- لابد من توقف الحرب وماجرت من تبعات .
- أن تلتفت الدول والهيئات والمنظمات المانحة لمريض السرطان وما يعاني .
- أن يدرك المجتمع اليمني خطورة قضية السرطان ويساهم بجد في مواجتها .
دمار وخطر محدق
أكد مختار سعيد المخلافي - مدير فرع المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بمحافظة تعز أن الوضع الذي نعيشه اليوم أفقد مريض السرطان الكثير من الخدمات التي كانت تقدم له فعلى سبيل المثال نحن في المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بمحافظة تعز كنا نقدم عبر مركز الأمل لعلاج الاورام خدمات متكاملة لقرابة (4000) مريض بالسرطان سنوياً ، أما حالياً فقد دمرت الحرب مبنى مركز الأمل وأتلفت ما كان فيه من الأجهزة والأدوية ، وبعد مشقة استطعنا أن نجهز بشكل سريع مقر مؤقت وبديل لاستقبال المرضى خاصة ذوي الحالات الحرجة ، ونقدم من خلاله أهم الخدمات و الضروري جداً للمريض ، لكن قد لا نستطيع الاستمرار إذا لم يتغير الوضع وتتحسن الأمور وتنتهي الحرب .
بالتأكيد خدماتنا لن تكون كافية وقد دمر مركزنا ، وأصبحت كل إيراداتنا شبة متوقفة ، وتضاعفت علينا أسعار الأدوية والعلاج والتشخيص وكل الخدمات ، وانعدمت الكثير من العلاجات ، و نحن اليوم نجاهد لأجل المريض في ظل ظروف بالغة التعقيد ولكي نظل موجودين ولنوقد حتى شمعة في ظلام دامس يعيشه مرضى السرطان ، وعلى أمل أن اليوم الذي ستنجلي فيه هذه الغمة سيكون بإذن الله قريب وعندها نستطيع أنت نواصل السير نحو الأمام لكن حتى نخرج من عنق الزجاجة ، لا بد من تدبير تمويل بديل يفي حتى بأقل الاحتياجات ، ولا بد أن يعي المجتمع بكل فئاته أن التواني والاهمال وعدم المبالاة وعدم الجد لإنقاذ مراكز ووحدات علاج السرطان قد يؤدي لكارثة لا سمح الله ، ستكلفنا الكثير والكثير من الأرواح والاموال .
انقطاع في تلقي العلاج
أشار الدكتور / وليد المحمدي – المشرف الصحي بدار الشفقة لإيواء مرضى السرطان إلى أن الحرب أثرت كثيرًا وزادت من معاناة مرضى السرطان في اليمن حيث أصبح المريض لا يستطيع الوصول إلى مراكز العلاج في العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات التي يوجد بها مراكز لإعطاء الجرع الكيماوية بسبب زيادة أسعار المواصلات وكذلك الخوف من الحرب الدائرة في بعض المحافظات وكذلك بسبب الوضع المالي الذي يمر عليه أغلب المرضى الفقراء حيث أن المرضى كانوا يحصلون على مساعدات مالية من أهل الخير كل عام لكن للأسف هذا العام لم يحصلوا إلا على الشيء القليل وكذلك عدم توفر العلاجات داخل المراكز وغلاء أسعارها في الصيدليات الخارجية مما جعل بعض الحالات تتأخر في مواعيد الجرع والبحث عن توفير المبلغ المالي لشراء العلاجات
ونفسياً : ترك بعض المرضى متابعة واستخدام الجرع الكيماوية والإشعاعية وفضل الذهاب إلى قريته بسبب الخوف من الحرب ، كذلك أصبحت الأماكن التي تقدم خدمات لمرضى السرطان تمر بظروف صعبة للغاية حيث أنها كانت توفر لهم التغذية الصحية والمواصلات والعلاجات والمساعدات العينية والنقدية فأصبحت الآن تقدم خدماتها بصعوبة بسبب قلة الموارد المالية وغلاء الأسعار
المريضة / خيريه أحمد جبران - مصابة بالسرطان –
من محافظة الحديدة فضلت الذهاب إلى قريتها وترك العلاج بسبب خوفها من آلة الحرب بعد أن تم القصف على منطقة قريبة من دار الشفقة في شهر رمضان وهي حتى الآن رافضة أن تأتي إلى صنعاء طالما الحرب قائمة وتقول أنها تفضل الموت على أن تتابع علاجها في ظل هذه الأوضاع .
علاجات لم تعد متوفرة وعوائق في المعالجة
وتلخص وجدان الجرموزي - مدير دار الحياة لإيواء مريضات السرطان - معاناه مرضى السرطان المتواجدين في دار الحياه بالآتي :
1. عدم توفر معظم العلاجات الخاصة بهم في مركز الاورام وفي المؤسسة نظرا لأوضاع الحرب وعدم قدرة الحكومة على استيرادها من الخارج.
2. عدم توفر جرعه اليود الاشعاعي في اليمن مما أدى الى عرقله كبيره لمريض السرطان في استكمال العلاج
3. ارتفاع أسعار المواصلات مما أدى إلى صعوبة تنقل المرضى من قراهم ومحافظاتهم إلى صنعاء لاستكمال جرعات العلاج - هذا بالنسبة للمرضى القادمين من القرى حيث اتصلت بعض المريضات إلى الدار للبحث عن حلول بإمكانها مساعدتهم في الوصول إلى صنعاء لاستكمال العلاج
4. انعدام كثير من العلاجات وان وجدت فتوجد بأسعار باهضة فمثلاً : حقنة (Zometa) وهي من العقارات الكيماوية التي يتلاقها المريض أصبح وجودها في السوق شحيح جداٌ وفي حالة وجدناها فإن سعرها قد ارتفع من (49000) إلى (65000) وهو ما يزيد من معاناة المريض في البحث عن موارد لتوفير هذه العلاجات الملحة بالنسبة له .
هل للحرب أن ترفق بهم
على بشاعة تاريخها القديم والحديث ( الحرب ) إلا أننا نضع تساؤل البريء الذي يشعر أنه لا ناقة له ولا جمل وبلسان مريض السرطان في اليمن نصرخ أما آن للحرب أن ترفق بنا وبمعاناتنا أما آن للجهات المعنية أن تنأى بنا قليلا عن هذا لصراع !! أما آن للمنظمات الانسانية ان تساعدنا في توفير العلاج وتكاليفه لنستطيع البقاء والصمود أمام التحدي المصيري الذي نعيشه ؟؟؟!!!