احدث الاخبار

الوجه القبيح -2- مقال سياسي

الوجه القبيح -2- مقال سياسي
اخبار السعيدة - كتب - أ. د. محمد سعد عبد اللطيف         التاريخ : 27-07-2010

أن إنهيار الإقتصاد الأمريكى يمثل بداية النهاية لأمريكا كقوة عظمى و يشير إلى قرب ظهور قوى عظمى جديدة متعددة الأقطاب تشمل الصين و أوروبا المتحدة و غيرها. و بالمناسبة فقد نشرت هذه الجريدة بتاريخ 2 فبراير 2010 مقالا بعنوان أول مؤتمر قمة عربى للتنمية الإقتصادية و الإجتماعية يقول فيه الكاتب: “ماذا حدث لحلم الوحدة العربية؟ دول أوروبا التى تفرقها اللغات و المذاهب و الأعراق و الحروب التى دارت بين شعوبها مئات السنين، هذه الدول سمت فوق كل ما يفرقها و إتحدت لتكون القوة العظمى القادمة. الدول العربية يجمعها الدين و اللغة و الثقافة و تاريخ الألفة بين شعوبها و المصالح الوثيقة و العدو المشترك، فمتى نسمو و نتحد لنكون القوة التى نملك مفاتحها؟.” كما نشرت هذه الجريدة بتاريخ 17 يوليو 2009 مقالا بعنوان الأمم المتحدة و التكامل الإقليمى.

و هناك فريق ثالث من الباحثيين و المحلليين السياسيين يذهبون إلى أن إنهيار الإقتصاد فى أمريكا هو ليس بداية النهاية و إنما هو بالفعل مؤشر إلى نهاية النهاية لدور أمريكا كقوة عظمى و يستدلون على ذلك بأن أمريكا فقدت مصداقيتها بالكامل منذ بداية عام 2002 حينما تحولت من دولة الحريات إلى دولة بوليسية تسمح لأجهزتها بالتجسس حتى على مواطنيها ، و ما واكب ذلك من مغامرات عسكرية فى أفغانستان و العراق لا يمكن الإنتصار فيها على المدى الطويل حتى لو تحققت بعض الإنتصارات الوقتية المحدودة الزمن و المساحة.

تلك المغامرات العسكرية الأمريكية الهوجاء فى عهد الرئيس بوش الإبن تبعتها عمليات إعتقال و تعذيب للمعتقليين واسعة النطاق فى السجون الأمريكية و فى سجون كثيرة حول العالم أشهرها معتقل خليج جوانتانامو بكوبا و معتقل أبو غريب بالعراق و مازال هناك العديد من السجون الأمريكية السرية فى بلاد متفرقة منها بلاد عربية ، و قد نشرت هذه الجريدة مقالا بتاريخ 26 إبريل 2009 بعنوان الأمم المتحدة ضد التعذيب.

فبعد حوادث 11 سبتمبر 2001 المؤسفة قام التيار اليمينى المتطرف الأمريكى بقيادة الرئيس بوش الإبن و تحت سيطرة نائب الرئيس تشينى و وزير الدفاع رامسفيلد بإستغلال تلك الأحداث و ما نتج عنها من سخط شعبى موجه ضد العرب عامة و المسلمين خاصة فإستغلوا الفرصة لتصفية الحسابات القديمة و أولها أن يدفع صدام حسين حياته ثمنا لما زعموه من محاولة إغتيال الرئيس بوش الأب و ثانيها أن يدفع شعب العراق حياة مايزيد على مليون عراقى بالإضافة إلى نفطه ثمنا لما زعموه من وجود أسلحة دمار شامل فى العراق و كلا الزعمين لا أساس له من الواقع و مع ذلك يستمر إحتلال العراق حتى يومنا هذا كما يستمر إحتلال أفغانستان بحجة محاربة الطالبان و القاعدة و الإرهاب.

 و فى نفس الوقت تجرى محاولات تحجيم إيران و تقسيم السودان و حصار ثم تدمير غزة و يستمر المسلسل الدموى الحزين. و قد نشرت هذه الجريدة مقالا بتاريخ 30 سبتمبر 2009 بعنوان جرائم الحرب فى غزة و مقالا أخر بتاريخ 16 أكتوبر 2009 بعنوان جرائم ضد الإنسانية فى غزة و مقالا ثالثا فى نفس الموضوع بتاريخ 3 يونيو 2009 بعنوان الأمم المتحدة و السلام فى الشرق الأوسط كما نشرت هذه الجريدة بتاريخ 30 أكتوبر 2009 مقالا تحليليا بعنوان خطبة أوباما إلى الشرق الأوسط.

بناء الجسور أو بناء السور

يبدو أن هناك نوعان من أنواع التعامل مع الأحداث العالمية يمكن تشبيههما ببساطة بعقلية بناء الجسور فى مقابل عقلية بناء السور و لا أرى أن هناك ضرورة لبيان الفرق بين النمطين و إنما يكفى أن ننظر إلى العالم حولنا لنرى أن المسافات إقتربت ليصبح عالما شديد الإنفتاح على الأخر و لا يمكن فصله بأسوار سواء كانت من الحديد أو الأحجار أو كانت من عوازل لشبكات الإنترنت أو محطات الفضائيات التليفزيونية.

و هنا يتضح عقم و إفلاس منطق بناء الأسوار و خصوصا إذا إتضح أن تلك الأسوار تبنى لتعزل من يتحتم وصله بالدرجة الأولى بينما يتم التواصل مع من يجب الحذر منه ، و فى الجهة الأخرى يظهر جليا رجاحة منطق بناء الجسور المادية و المعنوية خصوصا مع من تشاركهم فى وحدة القيم و المصالح و الأهداف و منها جسور المصداقية و الثقة و الشفافية و الأمانة مما يعيدنا إلى موضوع عمليات الإئتمان و التمويل و التى لا يتوفر فيها أى درجة من المصداقية و لا الأمانة من جانب الغالبية من البنوك فى المنطقة العربية.

كيف يحسبونها

أصبحت عمليات التمويل و الإئتمان و الإقراض فى المنطقة العربية أشبه بلعبة الثلاث ورقات حيث لا يمكنك أن ترى إلا ورقة واحدة من الثلاث و رقات طوال اللعبة و يتم كشف الثلاث و رقات فقط بعد نهاية اللعبة و حيث تكون قد خسرت مالك إلى المقامر المحترف الذى يدير اللعبة.

لنفرض أنك فى مصر و لنفرض أنك مقتنع برأى المفتى فى هذا الموضوع و لنفرض أنك أردت شراء سيارة جديدة و أن ثمنها 110 ألف جنيه و أنك دفعت 10 آلاف جنيه مقدما و أنك سوف تقوم بإقتراض 100 ألف جنيه من البنك بسعر فائدة قدره 10 بالمائة تسدد فى خلال 5 سنوات فإن البنك سوف يحسبها كالتالى: مبلغ القرض مضروبا فى سعر الفائدة مضروبا فى عدد سنوات السداد أى X = 10 % x 5 x 100000

الناتج يساوى 50000 جنيه و هو قيمة سعر الفائدة الذى سوف تدفعه خلال الخمس سنوات أى ما يعادل 50 بالمائة و ليس 10 بالمائة كما أخبروك عند التعاقك ثم بعد ذلك يضيفون ال 50000 إلى ال 100000 و يقسمون الناتج على 60 شهر لتقدير قيمة القسط الشهرى الذى يصبح فى هذه الحالة 2500 جنيه شهريا.

و هذه الطريقة تعتبر مغالطة حسابية أو بتعبير آخر عملية نصب حسابية حيث أن الحساب الصحيح الذى يتم بإستخدام هذه الحاسبة يبين أن القسط الشهرى الصحيح هو 2125 جنيه و ليس 2500 جنيه و على ذلك فإن إجمالى سعر الفائدة الذى يجب أن تدفعه خلال ال 5 سنوات هو 27482 جنيه و ليس 50000 جنيه أى أن البنك فى هذه الحالة قد نصب عليك فى مبلغ 22518 جنيه إستولى عليها منك بدون أى حق لا سيما حق المقامر المحترف الذى يدير لعبة الثلاث ورقات.

مثل هذا النوع من التمويل منتشر فى بنوك المنطقة العربية و جميع الحكومات تعلم به و لا تفعل شيئا لتصحيحه و كما هو معروف فإنه لا توجد أجهزة رقابة حقيقية فى المنطقة العربية كما لا توجد هيئات عامة أو حتى خاصة لحماية المستهلك و فى نفس الوقت فإن الجمعيات الأهلية و المجتمع المدنى تم تحجيمها من جانب معظم حكومات المنطقة العربية فأصبحت الجمعيات الأهلية غير قادرة على القيام بدورها الإجتماعى أو الرقابى كما أن القطاع الخاص و البنوك لا تقوم بدورها الإجتماعى الوطنى و إنما تنظر فقط إلى الربح و تهتم بأن تتوسع بزيادة حجم أعمالها و زيادة نصيبها من شريحة التمويل و الإقراض و لو كان ذلك على حساب المستهلك. هذه التركيبة الإستغلالية الإحتكارية إذا إستمرت سوف تؤدى إلى نفس النتيجة التى آل إليها تمويل شراء العقارات فى الولايات المتحدة الأمريكية ، كشأن أى فساد عام فإن هذه العمليات التمويلية المريبة تؤدى إلى فقد الثقة ثم الإنهيار الإقتصادى بالإضافة إلى النتائج الإجتماعية المترتبة على إنتهاك حقوف المستهلك و حقوق الإنسان.

إذا لم تكن قد قرأت الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عند بداية هذا المقال ، و هو صفحتان باللغة العربية ، فربما تود أن تقرأه الآن ، و بعد ذلك إذا أردت أن تعرف أكثر عن الأمم المتحدة فيمكن مراجعة ميثاق الأمم المتحدة باللغة العربية.

 

* الصورة تعبيرية نقلا عن مفكرة الاسلام

عدد القراءات : 2283
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات