احدث الاخبار

المقامة التريميّة

المقامة التريميّة
اخبار السعيدة - الرياض - كتب - جبران بن سلمان سحاري *         التاريخ : 18-08-2010

حدثنا عمرو بنُ هشام الحميريُّ قال: طرحتني النوى مطارحها إلى (تريم)، والقلب بأجوائها يهيم، فاستعدتُ العمر من قديم، قلتُ: يا ابن هشام حدثنا عن (تريم)، وأضىء لنا تاريخها القويم، فالحب فيها مقيم، قال: إليك عني فهذه تسلبُ اللبَّ كالسُّلافة، هذه (عاصمة الثقافة)، تربة اكتسبت المهابة، ممن حام حولها من الصحابة، قلتُ: رويدك من حل منهم فيها؟، فقال: سل الفاسيَّ تلقاه بهم فقيها، هذه أرض المقداد، وطلحة بن عمرو والآساد، محط رحال ذوي المجد والقوة؛ كالعلاء بن الحضرمي مجابِ الدعوة، وفيها كل سالفٍ حضرمي، وكساءٍ أتحمي، لقد لثمت خدود كندة، فأبانت للسيف فرنده، قلتُ: أنشدنا من إنتاجها، وتوج الرؤوس بتاجها، فقال: رأيتُ فيها أسداً خطيباً، فاح طيباً، ثم قال:

الحمد لله كم أعطى وكم وهبا *** وكم كفى عللاً وكم نفى كربا

يا صاحبي إن قلبي اليوم مكتئبٌ *** لما تذكرتُ من دهري الذي غلبا

وفاتني من خيار الناس كم رجلٍ *** ما فارق الذكرَ طول العمر والكتبا

بكّاء ليلتِهِ، سجّادُ خلوتِهِ *** من خوف مالكه يستعذبُ التعبا

له اشتغالٌ بحفظ السرِّ عن دخلٍ *** ليث النزال إذا ما عارك الرقبا

تلقاه في الجودِ كالطائي، وأحنفهم *** في الحلمِ، قد فاقَ قُساًّ حينما خطبا

كانت (تريمُ) بهم تزهو بمفخرها *** وكان يغبط من قد حلّها الغُربا

قلتُ: من القائل النبيه؟ قال: عبدُ اللهِ بلفقيه، فأنشأتُ في الحال:

(الحمد لله كم أعطى وكم وهبا) *** يا (بلفقيهُ) صحيحٌ صغتمُ العجبا

هذي (تريمُ) تباهي كل حاضرةٍ *** قالت: بلغتُ بمجدي الباذخ الشهبا

إن الصحابة والأخيارَ أجمعَهم *** من سار في هديهم يستكملُ الرتبا

العلمُ يردعُ عن جهل السفيه كما *** يُنوِّرُ الركبَ إن ضوءُ المسيرِ خبا

العلمُ يفتحُ باباً مغلقاً ولَكم *** شفى من العيِّ نصُّ المصطفى انتصبا

(تريمُ) دارٌ بأهل الفضلِ عامرةٌ *** وسائلوا عن صداها الحبرَ والكتبا

اليومَ أضحت بذا الإسلام عاصمةً *** وللثقافةِ والآثار منقلبا

كم عالمٍ دار فيها عاملٍ وجلٍ *** لله مبتهلٍ كم دمعةٍ سكبا

هذي (تريمُ) فمن يفخر بها فلقد *** حاز المفاخر فيها واعتلى السحبا .

ثم قلتُ: يا ابن هشام ما قال الخطيب عنها؟ فقال: عدد من كان فيها يأمرُ وينهى، كوائل بن حُجر، ومسروق بن وائل، وطارق بن سويد، والشريد المناضل، وأنشد من أشعار أهلها ما أفحم سحبان بن وائل، وذهب بالفهاهةِ عن باقل، وأشار إلى قصيدة السيؤوني الضادي، والتي مطلعها:    * إلى كم ذا التمادِ وأنت صادي *

كما سرد قصيدة باكثير، والتي فيها من الحنين الشيءُ الكثير، ومنها:

حننت إلى ذكـــر الغـويـــــر ولعلع  *** رعى الله أيام الصبا والقنا رطبُ

 

ذكرت وصال النازحين عن الحمى  *** وفارقت قلبي عندما ذهب الركبُ .

قلتُ يا ابن هشام: ومن هذا الخطيب المفلق؟ المحقق المدقق، قال: ما إخاله إلا قنبس بن أبي العنبس، والسلام .

 

*مؤسس مدرسة الميزان للنقد الادبي

عدد القراءات : 4605
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات